
شهد الاقتصاد المغربي في سنة 2024 عاما متناقضا، جمع بين النجاح والصعوبات.
ويرسم النمو والتحديات الزراعية وارتفاع أسعار المنتجات الاستهلاكية وتنفيذ استراتيجيات جديدة صورة معقدة للوضع الاقتصادي في البلاد.
المجاميع الاقتصادية المختلطة
قدمت المجاميع الاقتصادية للمغرب في عام 2024 صورة مختلطة. وبحسب المندوبية السامية للتخطيط، فقد نما الاقتصاد الوطني بنسبة 4,3% في الفصل الثالث. ويأتي ذلك في سياق يبلغ فيه عجز الميزانية ما يزيد قليلا عن 50 مليار درهم.
ومن المؤكد أنه في مستوى التخفيف مقارنة بعام 2023، فإنه لا يزال مرتفعًا. وفيما يتعلق بالتجارة الخارجية في السلع والخدمات، فإننا نتجه نحو المساهمة السلبية في النمو الاقتصادي حيث بلغت (-2.5) نقطة بدلاً من (-1.6) نقطة العام الماضي.
كما ارتفع معدل البطالة إلى 13.6% من 13.5% العام الماضي، في حين ظل التضخم تحت السيطرة على الرغم من التقلبات. وخفض البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي تدريجيا إلى 2.5% لتحقيق استقرار الاقتصاد في مواجهة التحديات.
ضعف القطاع الزراعي يؤثر على الأداء الاقتصادي العام
عانى القطاع الفلاحي المغربي سنة 2024، ويرجع ذلك أساسا إلى الظروف المناخية غير المواتية. ولا تزال نسبة ملء السدود البالغة 28.7% حرجة، مما أدى إلى تخصيص 14 مليار دولار لمواجهة الإجهاد المائي وإطلاق مشاريع واسعة النطاق مثل الطريق السريع للمياه، فضلا عن مشاريع تحلية المياه المختلفة.
وبالإضافة إلى ذلك، نفذت الحكومة برامج دعم، مثل الري التكميلي والبذر المباشر، بهدف تثبيت الإنتاج الزراعي. ومع ذلك، وعلى الرغم من زيادة الصادرات الزراعية والغذائية بنسبة 2.9%، فإن هذا النمو لا يعوض عن نقاط الضعف الداخلية في القطاع، والتي لا تزال تؤثر على الأداء الاقتصادي العام.
ارتفاع أسعار المنتجات الاستهلاكية
شهدت أسعار المنتجات الاستهلاكية زيادات متوسطة إلى عالية في عام 2024، ، بما في ذلك زيت الزيتون واللحوم الحمراء والدواجن.
وقد شهد زيت الزيتون، الذي أصبح الآن الذهب الأخضر، نموا كبيرا، مع زيادات تصل إلى 50٪ على مدى عام واحد. ويبلغ السعر حاليا حوالي 100 درهم للتر الواحد وقد يصل إلى 150 درهما في الأسابيع المقبلة. وينطبق الشيء نفسه على اللحوم الحمراء والدواجن.
وقد أدت هذه الزيادات، التي تعزى إلى مجموعة من العوامل، بما في ذلك الطلب المتزايد وارتفاع تكاليف الإنتاج وتعطل سلسلة التوريد، إلى تدخل الدولة من خلال تدابير تجمع بين الانفتاح على الاستيراد والإعفاء من الرسوم الجمركية. ويشير المجلس الأعلى للتخطيط إلى وجود 30 مليار منتوج جاهز للاستهلاك العام الماضي.
تخفيض رسوم التعويضات
وخضع غاز البوتان والسكر والقمح لتخفيض في الغلاف المخصص لتعويضاتهم. وبهدف دعم إنفاق الأسر، أثبتت الرسوم المرتبطة بهذه المنتجات، على مر السنين، أنها تشكل عبئا على الدولة،
خاصة فيما يتعلق بأسطوانات الغاز التي أدى تقلبها الدولي إلى زيادة الفاتورة. ولذلك قامت الدولة بضغط طفيف لرسوم التعويض عن هذه المنتجات الثلاثة.
ويناهز إجمالي المخصصات 16.357 مليار درهم المخصصة لدعم أسعار غاز البيوتان والسكر ودقيق القمح اللين.
ويهدف هذا الإجراء إلى ترشيد الإنفاق العام وتشجيع اعتماد حلول أكثر استدامة للطاقة. وكنتيجة مباشرة، ارتفع سعر الأسطوانة 12 كلغ من 40 درهما إلى 50 درهما للبيع، مما أثار استياء المستهلكين.
وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح ورئيس بنك التنمية الأفريقي أكينوومي أديسينا. ©وزارة الاقتصاد والمالية
إطلاق استراتيجية المغرب الرقمي 2030
تم إطلاق استراتيجية المغرب الرقمي 2030 في سبتمبر 2024، بهدف تحويل الاقتصاد الرقمي للبلاد. وتهدف هذه المبادرة إلى جعل المغرب مركزًا رقميًا بإفريقيا. وتخطط لإحداث 240 ألف منصب شغل مباشر في القطاع الرقمي والمساهمة بمبلغ 100 مليار درهم في الناتج المحلي الإجمالي.
ويهدف البرنامج إلى تدريب 100 ألف شاب سنويا وتحسين التصنيف العالمي للمغرب في الإدارة الإلكترونية (الأول في إفريقيا والمرتبة 50 على مستوى العالم) ورقمنة القطاعات ذات الأولوية مثل الصحة والتعليم. وتؤكد الاستراتيجية أيضًا على دعم الشركات الناشئة، التي ترغب في زيادة عددها إلى 3000 شركة مع احتمال ظهور واحدة أو اثنتين من الشركات الناشئة، من خلال التركيز على الابتكار. وتشمل الوسائل بوابة واحدة للإجراءات الإدارية، وعرضًا متنوعًا للخدمات السحابية، وتوسيع تغطية الإنترنت باستخدام تقنية الجيل الخامس.
إطلاق برنامج دعم السكن، برنامج المساعدة السكنية المباشرة
في عام 2024، أطلق المغرب برنامج دعم ساكن، وهو مبادرة مباشرة للمساعدة السكنية تستهدف الأسر ذات الدخل المنخفض أو المتواضعة. وتحقيقا لهذه الغاية، يقدم البرنامج سلتين للأسعار، مساعدة بقيمة 100.000 درهم لاقتناء عقار يقل أو يساوي 300.000 درهم، أو 70.000 درهم للعقارات التي تتراوح قيمتها بين 300 إلى 700.000 درهم. كشرط للاشتراك في العرض، يجب أن تكون مغربيًا مقيمًا بالمغرب أو بالخارج، وألا تكون مالكًا بالمغرب ولم يسبق لك الاستفادة من المساعدة السكنية. وتكون الإعانات والقروض الممنوحة في هذا الإطار بنسب مخفضة، مما يساعد على تقليص العجز السكني وتحسين الظروف المعيشية.
قطاع السياحة: رقم قياسي تلو الآخر
سجل قطاع السياحة المغربي أداء قياسيا سنة 2024. حيث وصل عدد الزوار إلى مستوى غير مسبوق، بفضل الحملات الترويجية الفعالة وجاذبية الوجهات المغربية. بالأرقام، هذا يعني أن 15.9 مليون وافد في نهاية الأحد عشر شهرًا الأولى من العام، وهو ما يمثل نموًا بنسبة 19.8٪ على أساس سنوي. وفي ما يتعلق بالليالي المقضية في مؤسسات الإيواء المصنفة، فقد ارتفع حجمها بنسبة 10,3% في نهاية الأشهر العشرة الأولى من سنة 2024، بما يتجاوز 24,1 مليون ليلة. أما إيرادات السياحة، فقد بلغت 96.9 مليار درهم بنهاية أكتوبر 2024، بنمو نسبته 9.3% على أساس سنوي. وقد جاء حوالي 32% من هؤلاء السياح، وأغلبهم من الإنجليز (47%)، عن طريق الجو، وهبط 29% منهم في مطار المنارة بمراكش، مما يؤكد الجاذبية السياحية للمدينة.
تنشيط التعاون الاقتصادي مع فرنسا
أُعلن عن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ثم أُرجئت، قبل أن يتم إلغاؤها، وهي ستتم في الفترة من 28 إلى 30 أكتوبر/تشرين الأول. وعلى خلفية الدفء السياسي، كانت هذه الزيارة بمثابة إطار لإعادة التأكيد على الشراكة الاستثنائية التي تربط الرباط وباريس. بين الاتفاقيات المؤسسية والاتفاقيات الخاصة، نمثل أكثر من 100 مليار استثمار. وترأس الرئيس الفرنسي ومضيفه الملك محمد السادس شخصيا جزءا من هذه الاتفاقيات. أما الجزء الآخر فقد تم خلال اللقاءات الريادية التي عقدت بهذه المناسبة. ومن القطاعات المستهدفة، الطاقات المتجددة، مع آفاق استثمارية في المحافظات الجنوبية.
زيادة في الاستثمار الأجنبي المباشر وانخفاض في IDME
انتهى عام 2024 بقفزة هائلة في صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI) وانخفاض الاستثمارات المغربية المباشرة في الخارج (IDME). وفي الواقع، سجل المغرب، في نهاية نوفمبر 2024، 39.637 مليار درهم من عائدات الاستثمار الأجنبي المباشر، أي أكثر من 30٪ من الرصيد على أساس سنوي. وقد اقتصرت النفقات على 15.826 مليار درهم، مما أدى إلى تدفق صافي للاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 182٪. ويمكن ربط هذه الزيادة بالتأثيرات المباشرة لميثاق الاستثمار الجديد الذي حقق، بعد إطلاقه سنة 2023، نتائج واعدة منذ عامه التجريبي الأول. ويعود الفضل في ذلك إلى تحسن بيئة الأعمال والحوافز الضريبية الجذابة ومشاريع البنية التحتية الطموحة. وقد ساهمت هذه الاستثمارات الأجنبية المباشرة في خلق فرص العمل ونقل التكنولوجيا وتعزيز القدرات الصناعية للبلاد. ومن جهة أخرى، سجلت IDME تراجعا واضحا بنسبة 7% لتبلغ حوالي 22 مليار درهم مقابل 23.643 مليار درهم قبل 12 شهرا. وسجل صافي التدفق عند هذه النقطة رصيدا سلبيا قدره 28.5%.
العملة المشفرة: تغيير الاتجاه
ومن عام 2017 إلى عام 2024، تدفقت المياه تحت الجسر، لدرجة أن البنك المركزي قام بعكس اتجاهه بنسبة 180٪. بعد الحظر المتكرر لاستخدام العملات المشفرة، اختار البنك المركزي أخيرًا التنظيم بدلاً من الحظر. ستسمح الأيام الأخيرة من عام 2024 لوالي بنك المغرب بمضاعفة المخرجات على الإطار التنظيمي استعدادًا لوضع المغرب على طريق الدول في "مزاج" العملة المشفرة. وفقًا لخبراء ومتخصصين في مجال blockchain، فإن "إعادة تأهيل" الأصول المشفرة سيكون لها ميزة تحفيز الابتكار والشمول المالي. ويهدف هذا النهج الجديد إلى جذب الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المالية ووضع المغرب كمركز إقليمي للعملات المشفرة.
وبالتالي، فإن سنة 2024 ستكون فترة محورية بالنسبة للمغرب، حيث تتأرجح بين تعزيز المنجزات والحاجة إلى إصلاحات عميقة لضمان التنمية المستدامة والشاملة.
ترجمة موقع الفكر
اصل الخبر
https://www.h24info.ma/maroc/performances-de-leconomie-marocaine-lessent...














