
نواكشوط ذاتُ الموقع الاستراتيجي على مرمى من أمواج المحيط الأطلسي، ونقطةُ العبور البري الآمن من المتوسط نحو دول جنوب الصحراء، ذاتُ الكثافة السكانية العالية والمقدرات السمكية الهائلة، العاصمةُ السياسية وحاضنةُ المرافق الإدارية للولايات الثلاث، المدار الحضري (الأوفر) خدماتيا في البلاد، وحوضُ أو فضاء الشغل الحيوي المستقطِب لباقي الجهات..
فرغم التحولات البنيوية لهذا المجال الجغرافي والسياسي والطفرة الكمية في الآهلين والعمران ونمط العيش والانفتاح على طرائق الحياة الجديدة.. رغم كل ذلك لم تشفع المؤهلاتُ الاقتصادية- المجالية لهذه المدينة، وظلت عنوان التَّنًدُّر من طرف الأشقاء.. وها هي اليوم راكدة في المستنقعات ضنينة على ساكنيها بالخدمات القاعدية الأساسية من ماء وكهرباء وطرق ودواء وصرف صحي... مازالت بحاجة لتنفيذ مشاريع خاصة بها لتكتسب صفة المدينة العصرية بعد 6 عقود ونصف من تعاقب الأحكام السياسية ومن دوران مختلف الطيف السياسي بإدارة شؤونها المحلية بأنظمة إدارية مختلفة ومتعددة: دائرة محلية، ولايات بمجالس منتخبة، وبغير مجالس منتخبة، بلديات، مجموعة حضرية، جهة!
في محاولة من المحاولات المتكررة، شَرَعت الحكومة الموريتانية في مستهل العام الجاري يناير 2025 بتنفيذ البرنامج الاستعجالي لعصرنة مدينة نواكشوط والذي يستهدف تغيير حال المدينة والتحول من واقعها الخدماتي المرير وواجهتها العمرانية والحضرية المُشوّهة.
تجدر الإشارة إلى أن الغلاف المالي لهذا البرنامج يناهز عتبة 50 مليار أوقية، ومتوسط أجل التنفيذ للأوراش في حدود سنة!
غطّى هذا الغلاف ثماني مكونات رئيسية شملت التعليم والصحة والنفاذ للماء الصالح للشرب وتهيئة الصرف الصحة، والولوج للكهرباء، والطرق وفك العزلة وتجهيز المركبات الرياضية وتطوير بنية الطرق ثم أخيرا تفعيل المشاركة المجتمعية وإحياء دور المجالس المنتخبة محليا.
ويبدو جليا من غير تأمل أن هذا البرنامج بأوراش مكوناته المتعددة تعثّر في التنفيذ؛ وليست خرجاتُ الوزير الأول المختار ولد اجاي الإعلامية منا ببعيد؛ ولعل ذلك عائد لاعتبارات جوهرية يمكن إجمالها في:
- الاختلالات القائمة في منح الصفقات وجَشع المقاولات الخاصة واستعجالها في الربح على حساب القدرة على التنفيذ بكفاءة ومصداقية ووطنية؛
- ضعف منظومة الرقابة على التنفيذ بعد إسناد صفقات المشاريع، وشيوع ظاهرة التعاقد من الباطن بعد فوز مقاولات شبه وهمية غير قادرة على التنفيذ تقنيا أو ماليا؛
- رداءة البنية التحتية المحتضنة لهذه المكونات والأوراش مما يُفاقِم من التساهل في بسط الرقابة وفي عدم جودة المادة المقدمة؛
- الطابع الاستعجالي للبرنامج؛ وما يرافقه من ارتجال وتسرُّع وضبابية في الاختصاص.
هكذا إذن، تروح مشاريع الإنماء بالعاصمة ضحية آلية التنفيذ بكل ميكانزماتها الميدانية، وتكون نتائجُ أي برنامج في هذا السياق عودٌ على بدء: تعثُّرٌ بنيوي عصيٌّ على الاستعجال و لا يصلح حتى السياسي في أمد قصير.














