
قررت دول منطقة الساحل الاستحواذ على ثروات باطن أرضها، في خطوة تهدف إلى تحقيق سيادة حقيقية على مواردها الطبيعية، وهو ما يثير قلق الشركات متعددة الجنسيات الغربية. وقد بدأ هذا النموذج ينتشر بالفعل في جنوب القارة الإفريقية، مشكلاً مؤشرًا على تحول استراتيجي في إدارة الثروات القارية.
جاء هذا التوجه بعد إعلان مالي والشركة الكندية متعددة الجنسيات في مجال الذهب "باريك ماينينغ" يوم الاثنين، انتهاء نزاع طويل استمر عدة أشهر حول مجمع "لولو-جونكوتو"، أحد أكبر مناجم الذهب في العالم. وكانت مالي قد وضعت إدارة مؤقتة للمناجم وصادرت جزءاً من الإنتاج واعتقلت عدداً من مسؤولي الشركة، في خطوة تؤكد تصميمها على استعادة السيطرة على مواردها الطبيعية.
مع اعتماد القانون المعدني الجديد، طالبت باماكو الشركة بدفع مئات الملايين من الدولارات كمتأخرات ضريبية، بعد تردد "باريك ماينينغ" في الانخراط في المبادرة الوطنية. ويجسد هذا النزاع التوجه الجديد لدول تحالف دول الساحل (AES) نحو التحكم المباشر في مواردها، حيث بدأت مالي والنيجر وبوركينا فاسو في إعادة إدارة الشركات التعدينية الوطنية، متجاوزة الهيمنة الأجنبية التقليدية.
يشير الباحث سيديك أبا، رئيس مركز الدراسات والأبحاث حول الساحل في باريس، إلى أن هذه الخطوة تعكس "إرادة دول الساحل في تأكيد سيادتها على مواردها المعدنية وإعادة التوازن بين الدول والشركات متعددة الجنسيات"، مضيفًا أن النيجر ذهب إلى حد تأميم مناجم اليورانيوم، معتبرة أن العقود السابقة لم تكن في صالح مصالح الدولة.
ثروات هائلة، وشعوب فقيرة
يمتلك النيجر باطن أرض غني باليورانيوم في جبال آير، والفوسفات، والذهب في منطقة ليبتاكو، بالإضافة إلى الفحم في أنو-أرارين والقصدير في إل ميكي. ويعد رابع أكبر منتج لليورانيوم عالميًا بحصة سوقية تبلغ حوالي 7%، كما يمتلك سادس أكبر احتياطي عالمي من هذه المادة، وفق دراسات جامعة شيربروك في كندا.
في المقابل، يمثل الذهب الثروة المعدنية الأساسية في مالي، إلى جانب اليورانيوم والحديد والبَوكسيت، فيما يساهم القطاع المعدني في بوركينا فاسو بحوالي 20% من إيرادات الدولة، حيث يعد رابع أكبر منتج للذهب في إفريقيا، إلى جانب احتياطيات عالمية من المنغنيز والنيكل والفوسفات والحديد والجرافيت والرصاص والزنك والأنتيمون.
رغم هذه الثروات الهائلة، لا تزال شعوب دول الساحل تعيش في فقر مدقع، وهو ما دفع السلطات الجديدة إلى السعي لتغيير النموذج الحالي وضمان استفادة المواطنين بشكل فعلي من موارد بلادهم، مؤكدين على أن التحكم بالثروات لا يكتمل إلا بتوزيع عادل للمنفعة.
السيطرة على باطن الأرض
تتمثل هذه السياسة في إعادة التفاوض على العقود التعدينية، ومراجعة القوانين المعدنيّة، واستعادة إدارة الشركات الوطنية. ويشير سيديك أبا إلى أن "مشاركة الشركات الوطنية في المقاولات الفرعية كانت حكراً على الشركات الغربية، والآن يتم إشراكها، مع العمل على تحويل الذهب قبل تصديره". وتشمل هذه الخطوات النيجر ومالي وبوركينا فاسو، في محاولة لتحقيق أثر اقتصادي محلي ملموس.
في مالي، ينص القانون المعدني الجديد على حصة الدولة القصوى في المناجم بنسبة 30%، مع تخصيص 5% للمستثمرين المحليين، وإلزام الشركات بتحويل أرباحها إلى حسابات مصرفية داخل البلاد. أما النيجر، فقد تأممت شركة "سوماير" المنتجة لليورانيوم في منطقة أرليت، بعد جدل طويل مع الشركة الفرنسية "أورانو" حول شروط تقسيم الإنتاج والالتزام بالعقود، في خطوة تعكس تصميم الدولة على حماية مصالحها.
*'*انتشار النموذج في إفريقيا الجنوبية
بدأت التجربة في دول الساحل تؤثر جنوب القارة الإفريقية، حيث أعلن بوتسوانا عن إلزام الشركات بالتخلي عن 24% من حقوقها لمستثمرين محليين، كما وضعت زامبيا قواعد جديدة للمقاولات الفرعية تلزم الشركات بتخصيص 40% من مشترياتها للشركات المحلية. ويخطط زيمبابوي لفرض حصة مجانية تبلغ 26% للدولة في جميع المشاريع التعدينية الجديدة، في إطار تعزيز المشاركة الوطنية في إدارة الموارد.
وفي زيارته الأخيرة إلى ليبرفيل، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضرورة تغيير النهج قائلاً: "لا يمكن لأفريقيا أن تظل مجرد قارة لتصدير الموارد"، في تصريح يعكس أهمية التحولات التي تشهدها دول الساحل في سياساتها الاقتصادية.
رابط المقال:
https://www.google.com/amp/s/www.trtfrancais.com/article/896500eb4783/amp














