
يعد حقل باندا للغاز في موريتانيا أحد أهم المشاريع الإستراتيجية في قطاع الطاقة، ليس فقط لتلبية احتياجات الدولة من الكهرباء، بل أيضًا لدعم التنمية الصناعية وتعزيز مكانة موريتانيا كمركز للطاقة في منطقة شمال غرب إفريقيا.
وفق بيانات منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن)، يتميز الحقل بموقع استراتيجي واحتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، ما يجعله مشروعًا واعدًا لتلبية احتياجات الطاقة المحلية والإقليمية. وعلى الرغم من تأخر تطويره لعقدين بسبب عوامل اقتصادية وسياسية، تشير الخطط الحكومية إلى إمكانية تحقيق تقدم ملموس في السنوات المقبلة.
تاريخ الاكتشاف ومسار التطوير
اكتُشف حقل باندا للمرة الأولى أواخر العام 2002 على يد شركة وودسايد الأسترالية، التي أعلنت وجود احتياطيات قابلة للاستخراج في 2003. ورغم ذلك، تأجلت عمليات التطوير لما يقرب من عقدين.
يقع الحقل على بعد نحو 60 كيلومترًا جنوب غربي العاصمة نواكشوط، وعلى أعماق تتراوح بين 200 و350 مترًا تحت سطح البحر، بالقرب من حقل شنقيط النفطي.
توالت عمليات نقل الملكية منذ الاكتشاف: فقد تنازلت وودسايد عن الحقل لصالح شركة بتروناس الماليزية، ثم انتقلت ملكيته إلى تولو أويل البريطانية في 2011، لتبدأ بوضع خطط لاستغلال الغاز في إنتاج الكهرباء ضمن شراكات عامة وخاصة تهدف إلى تحفيز القطاع الصناعي في البلاد. وبحلول 2012، بدأت تولو أويل دراسة جدوى شاملة لتوليد الكهرباء من الغاز، المشروع الذي لقي اهتمامًا كبيرًا من الشركات الصناعية، وأبدت دول مجاورة مثل السنغال ومالي اهتمامًا بالاستفادة منه.
الاحتياطيات والإمكانات الإنتاجية
تشير التقديرات إلى أن احتياطيات حقل باندا تبلغ نحو 1.5 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، ما يجعل الحقل مصدرًا مهمًا للطاقة في البلاد. ومن المتوقع أن ينتج الحقل نحو 300 ميغاواط من الكهرباء، ما يكفي لتغطية الطلب المحلي لفترات طويلة، سواء في المنازل أو المصانع، لسنوات تتجاوز العشرين.
تبلغ تكلفة خطة تطوير الحقل حوالي 450 مليون دولار، بينما التزمت المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي، بتقديم دعم إضافي يصل إلى 200 مليون دولار لضمان استدامة المشروع على مدى 20 عامًا. وتشمل خطة توزيع الإنتاج شركاء محليين وإقليميين، مثل الشركة الوطنية للصناعة والمناجم ، والشركة الوطنية للكهرباء، وشركتا الكهرباء في مالي والسنغال، إضافة إلى المستغلين للمناجم المحلية.
مراحل التطوير والتحديات
مرت مشاريع حقل باندا بعدة مراحل منذ الاكتشاف، شملت مرحلة "البداية والتعثر" بين 2002 و2014، حيث واجه المشروع صعوبات تمويلية وانخفاض أسعار الغاز أدت إلى تأجيله.
في 2021، انطلقت خطط التطوير الحديثة بعد توقيع مذكرة تفاهم مع شركة "نيو فورتريس إنرجي" ، شملت إنشاء محطة كهرباء تعمل بالغاز بقدرة 120 ميغاواط، في خطوة حيوية لتوفير الكهرباء للمناطق المحلية وتعزيز القطاع الصناعي.
رؤية مستقبلية للطاقة النظيفة
يأتي تطوير حقل باندا في إطار سعي موريتانيا لتعزيز الطاقة النظيفة، حيث يُعد الغاز الطبيعي عنصرًا رئيسيًا في هذه الاستراتيجية، مع التركيز على تحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية. ويعتبر المشروع فرصة استراتيجية للحكومة لاستثمار الموارد الطبيعية بما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني، وتوفير طاقة مستدامة للصناعات المحلية، وتحسين البنية التحتية للطاقة في البلاد.
مع استمرار جهود تطوير حقل باندا، يبدو أن موريتانيا على أعتاب مرحلة جديدة في قطاع الطاقة، قد تحولها إلى لاعب إقليمي في مجال الغاز والكهرباء، وتؤسس لمستقبل مستدام قائم على استغلال الموارد الطبيعية بشكل فعال ومسؤول.
رابط المقال:
https://attaqa.net/2025/11/30/%D8%AD%D9%82%D9%84-%D8%A8%D8%A7%D9%86%D8%A...














