مالي: إعلان عن شركة طيران أم مناورة سياسية بأجنحة افتراضية؟

في بلدٍ تتشابك فيه الأزمات السياسية مع الهشاشة الاقتصادية وتراجع مؤسسات الرقابة، يظلّ قطاع الطيران المدني في مالي واحدًا من أكثر القطاعات تعقيدًا وحساسية. 
وفي خضم هذا المشهد المضطرب، أعلنت السلطة العسكرية الحاكمة عن إنشاء شركة طيران جديدة تحمل اسم الخطوط الجوية المالية "مالي إيرلاينز" ، مقدّمة المشروع بوصفه خطوة سيادية كبرى وطموحًا وطنيًا ذا بُعد دولي. غير أن ما كُشف عنه حتى الآن يطرح أسئلة أكثر مما يقدّم أجوبة، ويفتح الباب أمام الشكوك حول ما إذا كنا أمام مشروع استراتيجي حقيقي أم مجرّد واجهة إعلامية.

إعلان كبير وواقع غامض
رغم تداول صور وتصاميم لطائرات تحمل ألوان الخطوط الجوية المالية، فإن هذه المواد ليست سوى نتاج للذكاء الاصطناعي، ولا تقابلها أي معطيات ملموسة على أرض الواقع : أسطول مُعلن، ولا عقود شراء، ولا حتى إشارات رسمية من كبرى شركات صناعة الطائرات، سواء الأوروبية منها أو الروسية.
 ومع ذلك، أُعلن أن أولى الرحلات قد تنطلق خلال النصف الأول من عام 2026، وهو موعد يبدو طموحًا في ظل هذا الغموض.

وتُظهر الصور المتداولة طائرات ضيّقة البدن ثنائية المحرك، قد تُشبه طائرات "إيرباص من طراز إيه 220" أو "ياكوفليف سوبرجت" ، بل وحتى ملامح طائرة "فيرتشايلد–دورنييه 728" المتوقفة عن الإنتاج. غير أن ملاحظة بسيطة لا تخفى على المختصين: أبعاد هذه الطائرات غير منطقية، وكأنها صُمّمت أكثر لإبهار العين منها للتحليق في السماء.

ومن هنا، ينتقل القارئ تلقائيًا من الانبهار البصري إلى التساؤل الواقعي: أين الطائرات الحقيقية؟ وأين البنية التشغيلية التي تجعل من هذا الإعلان مشروعًا قابلًا للحياة؟

خطاب سيادي أم غطاء سياسي؟
من الناحية الرسمية، يستند إنشاء الخطوط الجوية المالية إلى نص قانوني صدر عام 2024 تحت مسمى «الأمر رقم 2024-009/ر.م»، والذي يُفترض أن يعيد لمالي سيادتها الكاملة على مجالها الجوي. غير أن لغة هذا النص، كما أهدافه المعلنة، تعكس خطابًا سياسيًا أكثر مما تعكس رؤية اقتصادية أو مهنية واضحة.

ويستحضر هذا الخطاب مرحلة سابقة لوّحت فيها السلطة بإسقاط الطائرات المدنية والعسكرية الأجنبية التي قد تعبر الأجواء المالية، ما يجعل الحديث عن الالتزام بأعلى المعايير الأمريكية والأوروبية في مجال الطيران التجاري أقرب إلى المفارقة. فهل تمتلك مؤسسات الطيران المدني في مالي اليوم القدرة التقنية والرقابية التي تؤهلها لتحقيق هذا الطموح؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه شعارًا للاستهلاك الداخلي؟

هذا السؤال يزداد إلحاحًا حين نعلم أن تسجيل الشركة تم عبر الوكالة الوطنية للطيران المدني في مالي، وهي هيئة لا يُعرف عنها، في السنوات الأخيرة، قيامها بعمليات تفتيش فعلية أو رقابة منتظمة على الطائرات العاملة في البلاد.

تجربة قائمة ومؤشرات مقلقة
تملك مالي بالفعل شركة طيران دولية واحدة هي "سكاي مالي" ، التي تعمل منذ عام 2020 بطائرة واحدة من طراز بوينغ سبعمئة وسبعة وثلاثين – خمسمئة، دخلت الخدمة لأول مرة عام 1991 وكانت ضمن أسطول الخطوط الجوية البلجيكية السابقة "سابينا. ورغم نشاطها الداخلي والإقليمي، فإن الشركة ممنوعة من الطيران خارج إفريقيا جنوب الصحراء، كما أنها مدرجة على القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي، ومحرومة من دخول الأجواء الجزائرية والمغربية بسبب إخفاقات جسيمة في معايير السلامة.

وتكشف هذه التجربة القائمة حجم التحديات البنيوية التي يواجهها الطيران المالي، من ضعف الرقابة إلى تقادم الأساطيل، مرورًا بصعوبات التمويل والحوكمة. ومن هذا المنطلق، يبدو مشروع الخطوط الجوية المالية وكأنه قفزة كبيرة فوق واقع لم يُعالَج بعد.

وبينما تؤكد السلطات أن الشركة الجديدة ستنافس أفضل شركات الطيران العالمية، يبقى السؤال الجوهري معلّقًا: هل ستتحول "مالي إيرلاينز" إلى ناقل وطني فعلي يرمز لسيادة الدولة وقدرتها المؤسسية، أم أنها ستظل حبيسة التصاميم الافتراضية والبيانات الرسمية؟

الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة… إن أقلعت الطائرات فعليًا.

رابط المقال:
https://www.avionslegendaires.net/2025/12/actu/mali-airlines-coup-de-gen...