الاكتتاب المنتظر.. وَعْدٌ لاحتواء المطالب أم استجابة لحاجة المصالح العمومية؟- موقع الفكر

1- تتّبع الإدارة الموريتانية نظاما وظيفيا يُصًنّفُ بأنه نظام مسارات مهنية أو بالنظام المغلق وفق النظام الأساسي العام المكرَّس بالقانون 09.93 الصادر بتاريخ 18يناير 1991، ومعنى ذلك أن التوظيف محصورٌ في وسائل وآليات إدارية وقانونية محددة لا تخرج عن تقنيّة المسابقة إلا في حالات نادرة جدا، تقليدا للتجربة الفرنسية حذوَ النعل بالنعل بمساوئها الكثيرة التي تتعمّق عند محاولة التطبيق في البيئة الموريتانية غير المواتية، لا على مستوى البُنّى الإدارية، ولا على صعيد حجم السكان ونسبة الاستقطاب وحيويته.

كما أن المنسوب السنوي لعمليات الاكتتاب يظلُّ ضئيلا مقارنة باحتياجات مرافق الدولة وبتطلعات المواطنين في سن التوظيف الحالمين بتقلُّد الوظائف والمساهمة في تسيير الشؤون العامة وضمان العمل كحق دستوري مكفول ضمن الجيل الثالث من أجيال الحقوق الأساسية.

وتعاني الطاقات الشبابية في موريتانيا من معضلة البطالة، ومن خلل التكوين والتأهيل للتهيئة للتمكين للعمل في القطاع العمومي وشبه العمومي، مما يؤدي باستمرار لتزايد وتيرة الحاجة للشغل في ظل ضعف الاستقطاب والمردوية المادية والمعنوية في مؤسسات القطاع الخاص والقطاع غير المصنف؛ العائدة إلى المنخرطين فيه في ظروف تشغيل مجحفة أحيانا كثيرة.

2- وفي مقابل تزايد حدّة البطالة، تغادر مجموعاتُ الموظفين والوكلاء من مختلف الأسلاك والجهات مصالح الإدارة والمرافق الحيوية، بعد استفادتها من الحق في التعاقد بعد مسار و ظيفي مُتعِب.

وتنعكس هذه المغادرة على عدد الطاقم البشري القادر على تلبية حاجات الإدارة، وسد الحد الأدنى من متطلبات استمرارية الخدمة العمومية المُفتقرة إلى كفاءات بشرية مسلّحة بالمعارف المستجدة ومستوعبة لطرائق وأدوات العمل الحديثة.

فمن اللافت أن تتناقص أطر الدولة دفعات: تترى، تترى حسب عامل السن ببلوغ 63 سنة في غالبية الأسلاك، في حين يحدث الاكتتاب وليس التعاقد: مرة، مرة بمقاعد جدُّ محدودة.....    .

معادلة لا تحترم المنطق الرياضي ولا الحاجة الإدارية للدولة، أما تبعاتها الحقوقية للمطالبين بالعمل فحدّث و لا حرج!

3- وفي محاولةٍ للخروج من قبضة الاكتتاب بالصيغة القانونية، وميولا عند رغبة بعض السياسيين والتكنوقراط المُحنّطين في دواليب الإدارة، يتم الالتفاف على المسابقة كآلية للتوظيف بصيّغ كثيرة تحت يافطة التعاقد؛ من ضمنها عقد تقديم الخدمة العشوائي، والمبرم في الظلام دون تعبير عن الحاجة أو استقطابِ للكفاءة، فامتلأت به أرجاء الإدارة دون جدوى غيرَ الريع المباشر لصاحب العقد الوهمي في شق الالتزام منه،  أو العائد الانتخابي لمُشرّع ومنفذ العقد بكَسْبِ القواعد الشعبية؛ التي هي ليلاهُ وهي لُبناهُ ولو على حساب الغير، فعلى الدنيا العفاء، فلا بأس إن ارتطمت البئر  إذا شرب مُبْرِمُو العقود الوهمية الصورية كأس نشوة الاصطفاف الوظيفي.

فتعمّقت ظاهرة البطالة وازدادت الحاجة للاكتتاب، وتغوّلت ظاهرة التعاقد من غير أساس أو معيار.

4- في ظل هذا المشهد، لم تزل تطالعنا من حين لآخر عناوينُ عريضة بشأن اكتتاب عدد غير مألوفٍ دَفعة واحدة ، يُماسيها ويصابحها كل منتظرٍ لحظة وداع جنبات قارعة الطريق.

ثلاثة آلاف( 3000) قديمة، رقم مُهوِل في التوظيف  عبر آلية الترسيم، لو تم انتقاؤه بمعيارية.

لكن مما يتوجّسُه الناسُ نخبة وعامة أن يتمخّض هذا العدد فيَلِد عمليّة اكتتاب مشوّهة عبر إبرام عقود خدمة حسب السلطة التقديرية للجهات المُشغلة، أو أن تتمحّض عملية الانتقاء لوظائف غير مُعبّرة عن الحاجة في قطاعات خاوية الوفاض، على أن تبقى " الفرص" والوظائف النظيفة الهادئة لأصحاب عقود خاصة لا يُعلّم بها إلا عند مناكفة الساسة كقضية رأي عام تتوارى بعد أسبوعَ!

ولو كان هذا الرقم المنتظر تعبيرا حقيقيا عن الحاجة بعيدا عن التسويق البرغماتي للسياسيين لَمَا جاء دفعة واحدة ولَما كان وعدا ينتظره الناس، وإنما يحدث دون وعود لحظة اقتضاء ذلك.