
اختُتمت فعاليات الدورة السادسة عشرة من مهرجان «عبور موريتانيا » لعام 2025، الذي اختار هذا العام شعار «رقص الأدب»، بتنظيم مائدة مستديرة حملت عنوان «قراءات متقاطعة حول النساء اللاجئات». وجاءت هذه الجلسة الختامية في أجواء وُصفت بالاستثنائية، بحضور سفير الاتحاد الأوروبي لدى موريتانيا، وممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ورئيسة المرصد الوطني لحقوق المرأة والفتاة، إلى جانب أكاديمي متخصص في علم الاجتماع، ومحامية مدافعة عن حقوق الإنسان، وكاتبة، تحت إدارة مدير المهرجان.
شكّل هذا الموعد محطة ختامية لأسبوع كامل من اللقاءات الأدبية التي نظمتها الجمعية، واستضافت خلالها، من الأول إلى السابع من ديسمبر، أكثر من عشرة كتّاب قدموا من فرنسا ولوكسمبورغ والولايات المتحدة وألمانيا والكاميرون، إلى جانب نخبة من أبرز الأسماء الأدبية الموريتانية.
وخُصّصت سهرة الاختتام لموضوع «النساء اللاجئات من زوايا متعددة»، حيث شارك في النقاش كل من سفير الاتحاد الأوروبي في موريتانيا خواكين تاسّو فيلالونغا، وممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تايار شوكرو جانسيز أوغلو، والمحامية فاطمة بنت مباي، رئيسة الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان، ومهلة أحمد طالبنا، الرئيسة الحالية للمرصد الوطني لحقوق المرأة والفتاة، إلى جانب الأستاذ عبد الله سو، أستاذ علم الاجتماع بجامعة نواكشوط، والكاتبة الموريتانية الفرنسية مريم ديرويش.
وقد حمل هذا اليوم طابعًا خاصًا، سواء من حيث الموضوع أو من حيث الشهادات الإنسانية التي طُرحت خلاله. إذ حضر عدد من النساء اللاجئات المقيمات في موريتانيا، وأسهم بعضهن بشهادات مباشرة أضفت على النقاش بعدًا إنسانيًا عميقًا، وجعلت من اللقاء مساحة للاستماع إلى قصص حياة واقعية، مليئة بالتحديات والألم، ولكن أيضًا بالصمود.
أكثر من 300 ألف لاجئ في موريتانيا
في مداخلته، أوضح سفير الاتحاد الأوروبي أن موريتانيا تستضيف ما يقارب ثلاثمائة ألف لاجئ، من بينهم مائة وعشرون ألف لاجئ مالي يقيمون في مخيم امبرة، إضافة إلى لاجئين من جنسيات أخرى موزعين على المدن الكبرى، وعلى رأسها نواكشوط. كما أشار إلى وجود ثمانين طالبًا لاجئًا يدرسون حاليًا في جامعة نواكشوط.
وأشاد السفير بروح الضيافة والتضامن التي تتحلى بها الدولة الموريتانية وسكانها تجاه الأجانب، غير أنه نبه في الوقت نفسه إلى التحديات المتزايدة الناجمة عن تدفق اللاجئين، خصوصًا من مالي، وما يرافق ذلك من ضغط متزايد على الخدمات الاجتماعية الأساسية، والإدارة العمومية، والموارد الطبيعية مثل المياه والمراعي والأراضي الزراعية.
وأكد السفير أن اللاجئين ليسوا مجرد أرقام في تقارير، بل إن وراء كل لاجئ حياة وتجربة إنسانية معقدة، مشددًا على أن المرأة اللاجئة تعيش غالبًا وضعًا مضاعفًا أو حتى ثلاثيًا من الهشاشة. فهي تواجه صعوبات أكبر من الرجال، لا سيما فيما يتعلق بتعليم أبنائها، والحصول على الرعاية الصحية، وضمان سبل العيش.
ورغم هذه الصعوبات، توقف المتحدث عند قوة النساء اللاجئات وقدرتهن على الصمود، وهي خصال قال إنه لمسها بنفسه خلال زياراته الميدانية لمخيم امبرة. وأشار إلى أن العديد منهن يلعبن أدوارًا محورية داخل مجتمعاتهن، سواء كمعلمات أو قائدات مجتمعيات أو فاعلات اجتماعيات.
وأوضح أن سياسة الاتحاد الأوروبي في هذا المجال ترتكز على احترام حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، مشيدًا بالعمل الكبير الذي تقوم به المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. كما استعرض المحاور الأربعة الرئيسية لتدخلات الاتحاد الأوروبي، والمتمثلة في الحماية، خاصة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، والتعليم والتكوين المهني، والتمكين الاقتصادي عبر التمويل الصغير وريادة الأعمال، فضلًا عن دعم البنى التحتية الاجتماعية في مجالات الصحة والتعليم والتكوين.
دور المفوضية السامية لشؤون اللاجئين
من جانبه، أشاد ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بصمود النساء اللاجئات وإبداعهن وإصرارهن على تجاوز المحن. وأكد أن المفوضية ظلت إلى جانب اللاجئين من خلال توفير الحماية والمساعدات الإنسانية، والعمل على تعزيز الأمن والاستقلالية.
غير أنه أقر بوجود تحديات كبيرة، خاصة في ما يتعلق بتوفير فرص التكوين المهني، وتعزيز الهياكل المجتمعية، مشيرًا إلى تدخلات المفوضية في تمويل أنشطة مدرة للدخل، ودعم قطاع الصحة، ومواكبة ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، إضافة إلى تكوين وسيطات اجتماعيات.
شهادات إنسانية مؤثرة
تابع الحضور بتأثر بالغ شهادة ليلى، وهي لاجئة من إفريقيا الوسطى، أرملة وأم لطفلين، تعمل في مجال التدريب على الإعلاميات. تحدثت عن معاناتها اليومية، وعن العائق اللغوي الذي يحد من اندماجها، وعن صعوبة الحصول على عمل بسبب وضعها كلاجئة، مؤكدة أن هذه المعاناة لا تقتصر على محدودي التعليم، بل تشمل أيضًا لاجئين يحملون شهادات جامعية.
كما أدلت لاجئتان أخريان، من بينهما تلميذة، بشهادات مماثلة، عكست قصصًا من الألم وضياع المستقبل، وطرحت في الوقت نفسه تساؤلات حول الحلول الممكنة.
المرصد الوطني وحقوق النساء اللاجئات
وفي تدخلها، عبّرت رئيسة المرصد الوطني لحقوق المرأة والفتاة عن أسفها لعدم تواصل النساء اللاجئات مع مؤسستها في السابق، مؤكدة أن أبواب المرصد مفتوحة أمامهن. وذكّرت بأن المرصد هيئة استشارية حكومية أُنشئت قبل أربع سنوات، ولا تزال تعاني من ضعف التنسيق مع بعض مؤسسات الدولة.
وأشارت إلى أن وضعية اللاجئين لا تحظى دائمًا بالاعتبار اللازم، رغم تمتعهم بالحماية الدولية، معتبرة أن ذلك يعود إلى اختلالات في تطبيق القوانين. وأكدت أن المرصد لم يتناول حتى الآن سوى مسألة الصحة النفسية للنساء اللاجئات، لكنه مستعد لتوسيع مجالات تدخله وبناء شراكات مستقبلية.
مقاربات قانونية واجتماعية وأدبية
بدورها، تحدثت المحامية فاطمة بنت مباي عن التزامات موريتانيا الدولية في مجال حماية حقوق اللاجئين، مشيرة إلى حالات طرد، وصعوبات في الدراسة والعمل، ترى أنها ناتجة أساسًا عن سوء تطبيق القوانين.
أما عالم الاجتماع عبد الله سو، فقد ركز على الأعباء المضاعفة التي تتحملها المرأة اللاجئة في تربية أبنائها في ظروف قاسية، مؤكدًا أن المساس بكرامة المرأة هو مساس بكرامة الإنسانية جمعاء.
من جهتها، دعت الكاتبة مريم ديرويش إلى عدم إغفال البعد الإنساني في التعامل مع النساء اللاجئات، مشيرة إلى معاناة النساء المهجرات من بلدان مختلفة، وكذلك إلى معاناة نساء موريتانيات تأثرن بأحداث التسعينيات، معتبرة أنهن تعرضن لاضطهاد مركب على أكثر من مستوى.
واختتم مدير المهرجان ، بيوس ديالو، اللقاء بكلمة جامعة، وجّه فيها الشكر للكتاب المشاركين، وللرعاة، وللمؤسسات التعليمية، ولجامعة نواكشوط، وللجمهور، ولكل الفرق التي أسهمت في إنجاح هذه الدورة.
وتم تحديد موعد الدورة السابعة عشرة من المهرجان سنة 2026، مع وعد بمواصلة التجديد والابتكار، بإذن الله.
رابط المقال:
https://kassataya.com/mauritanie-dernier-tango-des-traversees-2025-parol...













