
يشهد العالم اليوم تحوّلًا جذريًا نحو الطاقات المتجددة، ويبرز الهيدروجين الأخضر كأحد الحلول الواعدة لتحقيق الاستدامة البيئية وتقليل الانبعاثات الكربونية.
وفي هذا السياق، برزت موريتانيا كدولة رائدة على الصعيد الإفريقي من خلال إصدار قانون الهيدروجين الأخضر، الذي لم يقتصر دوره على تنظيم هذا القطاع الواعد فحسب، بل امتد ليصبح أداة لجذب الاستثمارات وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة.
استراتيجية طاقية شاملة
يمثل هذا القانون جزءًا من رؤية موريتانيا في بناء استراتيجية طاقية شاملة تعتمد على مصادر نظيفة تضمن الأمن الطاقي الوطني، وتواكب أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. فالهيدروجين الأخضر، المنتَج من مصادر متجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والمياه، ليس خيارًا بيئيًا فحسب، بل يشكّل قاعدة لتحفيز الابتكار وفتح آفاق جديدة للنمو الاقتصادي.
تمتلك موريتانيا مزايا طبيعية فريدة تجعلها بيئة مثالية لإنتاج الهيدروجين الأخضر بكفاءة عالية، بدءًا من مساحتها الشاسعة، ووفرة الشمس والرياح طوال العام، وصولاً إلى موارد المياه الوفيرة. ومن هذا المنطلق، يعكس القانون الجديد خطوة استراتيجية ترسّخ مكانة البلاد كمركز إقليمي للطاقة النظيفة، وتمكّنها من المنافسة على المستوى الدولي، لا سيما مع توقعات بانخفاض تكلفة إنتاج الهيدروجين إلى أقل من دولارين للكيلوغرام بحلول عام 2030، مما يزيد من جاذبية الاستثمار ويعزز فرص الشراكات الدولية.
تحديات وفرص
حتى يتحقق هذا الطموح، حرص القانون على وضع إطار تشريعي متكامل يغطي كافة مراحل الإنتاج والاستغلال، بدءًا من منح التراخيص ووضع المعايير البيئية، وصولاً إلى حماية حقوق العاملين وضمان سلامتهم. هذا الإطار يوفر للمستثمرين الثقة اللازمة لدخول سوق جديد مزدهر، ويتيح للدولة التحكم في جودة الإنتاج، بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاقتصاد الأخضر.
بالإضافة إلى ذلك، يفتح القانون الباب أمام موريتانيا لتعزيز دورها على المستوى الدولي، من خلال مواءمته مع المعايير العالمية للطاقة النظيفة والمشاركة في المبادرات البيئية التي تدعمها المنظمات الدولية والاتحاد الأوروبي. هذا التوافق يعكس رؤية متكاملة تربط بين الاستثمار المحلي والتنمية الإقليمية، ويؤكد قدرة الدولة على أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة المتجددة، حيث تتلاقى الرؤية الاقتصادية مع الالتزام البيئي.
مع ذلك، لا يخلو الطريق أمام تنفيذ القانون من تحديات كبيرة، أبرزها الحاجة إلى مؤسسات قادرة على تطبيقه بكفاءة، وضمان تمويل المشاريع الضخمة التي يتطلبها القطاع، وتطوير البنية التحتية اللازمة لتخزين ونقل الهيدروجين الأخضر. إلا أن هذه العقبات يمكن تجاوزها من خلال تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، واستثمار القدرات البشرية المحلية في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، بما يضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة والطاقة النظيفة على المدى الطويل.
نموذج يحتذى به في إفريقيا
ان قانون الهيدروجين الأخضر ليس مجرد تشريع محلي، بل نموذجًا يحتذى به في إفريقيا، يجمع بين حماية البيئة وتعزيز الاقتصاد، ويؤكد التزام موريتانيا بالتحول نحو طاقة نظيفة. كما يبرز أهمية تطوير التعليم والتدريب لتأهيل كوادر متخصصة، وبناء شراكات استراتيجية مع المؤسسات المالية الدولية، لضمان مستقبل طاقي مستدام وآمن للبلاد وللقارة الإفريقية، مع خلق فرص حقيقية للاستثمار الأخضر والنمو الاقتصادي.
رابط المقال:
https://www.financialafrik.com/2025/12/16/le-code-mauritanien-de-lhydrog...














