في مقابلة شاملة مع موقع الفكر الأديب د. محمد عبد الله عمار أول نصين قلتهما، أحدهما مختل وزنا، والآخر مختل نحوا

في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الثقافية الوطنية، وسعيا منها إلى إطلاع متابعيها الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر.

نستضيف اليوم أحد القامات الفكرية والأدبية ممن لديهم اليد الطولى في ميدان الشعر والأدب، فهو مجلي الميدان وسابق الأقران فيه، فقد بذ الجميع  علما وأدبا وفاقهم فكرا وعلما،  حيث حصل على العديد من الأوسمة والجوائز الأدبية.

 ولضيفنا، الذي يهتم بأدب الطفل، العديد من المؤلفات في فنون الفكر و والثقافة والأدب، فضلا عن ممارسة التعليم لعقود، كما ظل كثر ممن الزمن عقدين  عضوا في اتحاد الكتاب والأدباء الموريتانيين.

 نحاوره اليوم لنستجلي من خلاله ما وراء الخبر ، في لقاء شامل، حول قضايا الساحة الأدبية والفكرية الثقافية. 

ضيفنا هو الأديب الكبير محمد عبد الله عمار..

وخلال المقابلة أتحفنا ضيفنا بتجاربه الشعرية كما تحدث عن مواقف لاتخلوا من طرافة فضلا عن تاريخ تأسيس اتحاد الادباء كشاهد عيان وغيره من الأحداث الأدبية ..

موقع الفكر: كيف تتذكرون لنا بداياتكم مع كتابة الشعر؟

الشاعر محمد عبد الله: بدايةً أشكر موقع الفكر الرائد على إصراره على إجراء هذه المقابلة، وأُكْبِر فيه خطَّه الفكري المستقيم، الذي تكسوه "بقية أخلاق، وشيء من التقوى".

من حسن حظي أنني نشأت بين ظهراني أهل عبد الله المجاور، وأهل محمد مولود بن عمي، وهما منبعان ثرّان من منابع المعرفة والشعر وحسن الخلق؛ فجدي أحمد المامون بن محمذ الصوفي، هو الذي يقول في صغره:
وروضٍ سقى الوسميُّ سَجْلاً عرارَه
وصانتْه من نسجِ الوليِّ براقعُ
وحفّت به أنهارُ ماءٍ نُضانِضٍ
تساجل ورْقَ الروضِ فيها الضفادعُ
وتغدُو إلى إنياشوانَ ولائدٌ
من الحيِّ أترابٌ إليه تسارع
ويعكفْنَ كلَّ اليوم في عرَصاته
وهن إذا جَنّ الظلامُ رواجعُ
بأجسادهن المنعمات تأوّدّ
وللدّرِّ في أجيادهنَّ قعاقعُ
بلاد كأنا أوجبَ الدهرَ حجَّها علينا إذا ما أقبل العيد شارع.

ويقول في مكبره:

بشرتمونِي على أن مسنِي الكبرُ
ملءَ الجوانح بشرى دونها البشرُ
بشرى تحدث عنها الركب أن عزمت
بصوبنا سفرا، يا بورك السفرُ
 قالوا من المتغني بعد شيبَته!؟
فقلت: "ها أنذا المامون لا نكرُ".

وجدي محمدُّ بن انبابَ هو الذي يقول:
سأحيي قريض الشعر، أو سأميته
فلي ملكه قدما، ولي ملكوته.
 
فلا غرابة أن يكون نشؤُهم شعراءَ منذ الصغر، إذ لا يخلو مجلسهم من المناشدة، والمساجلة، والمداعبة، فيتُوقُ الولدان إلى محاكاتهم، وتقليدهم، وربما دفعوهم إلى ذلك تصريحا أو تلويحا.

وسأروي لكم أول نصين قلتهما، أحدهما حساني مختل وزنا، والآخر فصيح مختل نحوا:
ففي سنة 1963 نُظِّم سباق للإبل احتفاءً بقدوم أحد الزعماء العرب، وفاز فيه خالي المرحوم السيد المفضال أحمدُّ بن دحمود فوزا مشهورا، مشهودا، فقلت فيه:

يخالِ نبغيك
نختيرك عن وتَ
فتبارك الله أعليك
ولا حول ولا قوةَ.
 
وفي سنة 1964 كنت ضمن جماعة من "تكوس" نسكن عند السيد الندب محمد عبد الله بن بلَّ، فأراد أن يختبرنا، فأرسل لنا الابنَ محمد سعيد أطال الله بقاءه بورقة وقلم، وطلب منا أن نكتب له شيئا من إنتاجنا، فكتبت له:
محمدٌ السعيد هداك ربي
وأسلكك الطريق المستقيما
وعشت مع الأبين بخيرِ عمرٍ
طويلٍ تاركا شأن "اللئاما"
 فطلب مني بصفة ظريفة أن أقرأ عليه نظم عبيد، وبلباقة نبهني على الخطأ النحوي حين وصلت محله.

وبقيت استرق السمع لجيل من شعراء هاتين المجموعتين من أمثال السيدين المرحومين:
محمد الأمجد بن دحمود، والمختار بن أباي، والسيدين محمد محمود بن بلبلاه، ومحمد يحي بن مكاهي، أطال الله بقاءهما. 

والحق أني ما تجاسرت على قول الشعر إلا بعد فوزي في الشعر الفصيح في الحلقة الثانية من لقاء الجمهور في مذبحة صبرا وشاتيلا سنة 1982.
وقد كانت لجنة التحكيم
مكونة من السادة: المرحوم الشيخ محمد سالم بن عدود رئيسا.
والمرحوم الدكتور جمال ولد الحسن مقررا.
والمرحوم القاضي أحمد يورو كدي عضوا
والمرحوم الصحفي الشاعر محمد كابر هاشم عضوا.
وبعد فوزي في الشعر الحساني في الحلقة الثالثة من نفس البرنامج، وحصولي على الدرجة الأولى في كل منهما.

موقع الفكر: ما دور النسخة الأدبية الموريتانية في رفد اتجاهكم الشعري الأدبي، وكيف ترون الإسهام الأدبي للمحظرة الموريتانية وأثرها في الشعر والشعراء؟

الشاعر محمد عبد الله: يمتاز الأدب الموريتاني -عموما، والشعر خصوصا- عن غيره، امتيازَ الزي الموريتاني زراكشَ ومقاساتٍ وتفاصيلَ، فإذا نظرنا إلى خارطة الشعر العربي في القرن الثالث عشر الهجري، لاحظنا أنها تعيش فصل صيف ماحل، باستثناء هذه الربوع التي يكسوها فصل ربيع مزدهر، يعبر فيه الشاعر عن واقع يعيشه مناخا، وتضاريسَ، وعاداتٍ وتقاليدَ، داخل محيط اجتماعي وبيئي مألوف، عاكسا مشاعرَ وأحاسيسَ ذاتيةً بأسلوب صحيح فصيح، وفيٍّ لعمود الشعر العربي الأصيل، لا تقليدا لنماذجَ شعريةٍ محنطة يجترها الشعراء بأساليب مهلهلة النسج، ضحلة المعنى، ركيكة التراكيب، وإن أوهم تشابهُ المحيط، وتواردُ العادات، وتداخلُ القيم، شيئا من المحاكاة والتقليد. 
فَامْحمد بن الطلبه مثلا حين يقول:
عند الاُخَيْضِر ما يشفيك لو نطقا
فحيِّه، حيّه من أجل ما سبقا
إذ كان يحمل أم المومنين لدى
أنياشوان، ترى في سيره عنقا...

إنما كان يعبر عن واقع يعيشه، فالجمل الموصوف مخصوص باسمه(الخيذر)، والمتغزل بها حليلته أم المومنين، والمكان الريع الواقع في مضارب اليعقوبيين بين منهلي تنيافيل وأبي الأنواع (انياشوان).

ثم إنهم كانوا يتعبدون بتعلم اللغة العربية ويعظمونها، فاللحن عندهم يعتبر منقصة تظل تلاحق صاحبها، بل تدعوه إلى الهجرة عن ذويه.
وكم قامت بينهم مشاعرات لمجرد استفهام أحدهم عن صيغة أو وزن!

ولا تكاد تجد في شعرهم مأخذا لغويا إلا له وجه، أو قال به قائل. 
وقد نمَّى فيهم هذا الإكبارَ للغة العربية وعلومها بعدُهم الديني، وانتسابُهم العربي، إما عرقيا، وإما حضاريا.
وقد تميزوا عن سواهم بنمو المعارف، وازدهار العلوم في جو بدوي متنقل، يتتبع مواقع المطر، وأماكن الخصب، متخذين من ظهور المطي مدارسَ وجامعاتٍ كما يقول العلامة ابن بون:
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة
فيها نبين دين الله تبيانا.

ويقول محمد بن حمينه:
تبدي بني يعقوب نلنا به دررْ
من العلم ما نيلت -لعمرك- في الحضرْ...

كما تميزوا بنظام المحظرة الموسوعي التطوعي الذي خرَّج أفذاذا لا يُجارَوْن، تفرقوا في المعمورة ينشرون العلم والمعرفة حيثما حلوا.

وبشيء من التقصير حاولت أن أنسج على منوال شعرائهم، وكتبت وفق رؤيتهم التي تدعو إلى التعبير عن حال معيش  سَيْرا على ممشى الأقدمين.
فكنت أراوح بين التماهي في القضايا القومية الكبرى كقضية فلسطين والعراق وبيروت... والاهتمام بقضايا الأمة كاحتلال المسجد الأقصى، والعمل على  تجفيف المنابع الإسلامية، وتكميم الدعاة للجهاد ونشر الإسلام، وحبس الأئمة والعلماء...  
وبين التغني بأمجاد الوطن، وإكبار رموز المعرفة فيه، وتمجيد الاستقلال، ومناهضة المستعمر...
بالإضافة إلى البعد الاجتماعي، كالتوجيه، والإصلاح، والإخوانيات من رثاء، وتهانئ، ومساجلات ومزح...

موقع الفكر: متى تلقبتم بمتنبي موريتانيا؟ وما شعوركم تجاه هذا اللقب؟
الشاعر محمد عبد الله: ما تلقبتُ بأي لقب، ولم أُلَقَّبْ حسب علمي إلا بلقب: "محمد عبد الله لَوَّلْ"، أطلقه علي العلامة المرحوم الشيخ محمد سالم بن عدود، تغمده الله بنعائم الجنة، وبلقب "سموأل موريتانيا"، أطلقه علي ”بعضهم“ بعد أن أصدرت كتابي: «محمد كابر هاشم القامة والاستقامة»، وكتاب «فقيد الأمة محمد كابر هاشم، المراثي والتعازي».
وقلت: أطلقه علي بعضُهم من باب تدليس الشيوخ.

كثيرا ما أدعى بشاعر الأطفال، لاهتمامي بهذا اللون المتميز من الأدب.

أما لقب متنبي موريتانيا فهو لقب للشاعر الكبير ناجي محمد الإمام، وليس في علمي أنني قد لقبت به.

موقع الفكر: نود منكم أن تستعيدوا لنا بعض المواقف الأدبية أو القصص التي شاركتم فيها؟

الشاعر محمد عبد الله: أذكر من باب شهامة المرحوم محمد كابر هاشم، أننا دعينا للمشاركة في المؤتمر السابع عشر لاتحاد الأدباء والكتاب العرب في الرباط سنة 1993، وفي الجلسة الافتتاحية تناول رئيس اتحاد إحدى الدول الكلام، وكان أقصر مني قامة بكثير، فأطلق لسانه في الإسلام والمسلمين، والجميع سكوت، فما كان من محمد كابر رحمه الله إلا أن ضرب الطاولة بقوة، وصرخ فيهم قائلا: "مالكم كأن على رؤوسكم الطير!؟ أما لهذا القزم من يقطع لسانه"!؟
فابتسم رئيس المؤتمر السيد محمد الأشعري وقال: "على رسلك يا كابر، ألم تلاحظ ”حالة الأريحية“ التي يعيشها الزميل؟"
فالتفت إليه فإذا هو يغني ويترنح، فابتسم رحمة الله عليه وقال:
"رحم الله أبا نواس".

وأذكر أنني دعيت إلى حضور تظاهرة أدبية في الإمارات تحييها هيئة البابطين في عشرة من الشعراء الموريتانيين، واختاروني ضمن صفوة من المشاركين من عشر دول لإحياء أول سهرة أدبية يحضرها الأمراء، وعلية القوم.
وقد رتبونا أبجديا تبعا لأسماء دولنا، فكانت: البحرين، فتونس ،فالجزائر... فمصر، وجاءت موريتانيا في الدور الثامن.
وكنت قد كتبت قصيدة من الشعر الحر بعنوان التثاؤب، فما وصلوا إلي إلا بعد أن تعب الجمهور، وكان الشاعر المصري الذي دعيت بعده رجلا ضخما طُوالا، وقد قرأ معلقة ليس فيها من أمارات الشعر إلا أنها ميمية من بحر الطويل.
فأصيب الجمهورُ خلال قراءته بالملل، والتثاؤب، فلما وقفت أمام "الميكروفون" -وأنتم تعرفونني- تطاولت حتى قلت فيه:
يبدو أن مهندس الصوت لم يأخذ مقاسي قبل مناداتي، فضحك الجمهور، وانتعشوا، ثم قررت أن لا أقرأ النص الذي هيأت، بل قلت:

جمالك شاي به نفطر
وحبك نعناعه أخضر

☆☆☆☆☆

وفي مقلتيك غفت طفلة
يهدهدها جفنها الأحور
وتلفزة لأغاني الهوى
ينغم ألحانها محجر
وفي وجنتيك استراح الصبا
وفي شفتيك بكى العنبر
وثغرك عصفور روض وديع
تبسم في ريشه الكوثر
ومنه استعار النهار الضيا
ومنه حلاوتَه السكر

☆☆☆☆☆

تخيلت حتى جرحت الرؤى
ورسمك عنه الرؤى تقصر

فصاح الجميع: "إعادة، إعادة"، فلم أعد، بل قرأت:

صورة كلها البها والصباحه
عبرت عن مدى الجمال صراحه
مَبْسَمٌ مُشرَبٌ ضياءٌ وأنفّ
ذُرَّ من فوقِه ذَرور المَلاحه
فتَمَشّى على محياهُ عصفو
رُ غرامي، يهزُّ فيه جناحه
عالم من وداعة فيه يملي
بلبل الحب للعيون صداحه

فانتشت "شلة" الأمراء، وأخذوا عصيهم يتراقصون "الدبكة" وانفض الجمع قبل مشاركة الدولتين المتبقيتين.

وفي الغد زارنا في فندق الإقامة رئيس هيئة البابطين، وقال إنهم قرروا طباعة أعمالي الكاملة طباعة ذهبية.
وللأسف لم أشأ أن يطبع ديواني في تلك الحقبة من طرف دولة الكويت، لاعتبارات تعلمونها.

موقع الفكر: شاركتم في تأسيس أول اتحاد للأدباء الموريتانيين، كيف كانت أجواء ذلك؟ وماذا عن ذلك الاتحاد؟ 

الشاعر محمد عبد الله: معلوم أن الرعيل الأول من الأدباء الموريتانيين قام بإنشاء عدة هيئات أدبية على مراحل، كان أهمها رابطة الأدباء الموريتانيين، وقد مرت بفترات صعود وهبوط، إلى سنة1991،  حيث تنادى لها الأدباء في مباني المعهد العالي للدراسات الإسلامية، وشكلت لجنة تعيين كنت من بينها، وليس فيها المرحوم محمد كابر هاشم، ولا أحمدو ولد عبد القادر الذي عرضت عليه الرئاسة فاعتذر عنها، فعرضت على كابر فاعتذر هو الآخر، ولكن لجنة التعيين أصرت سرا على ترشيحه، وشكلت مكتبها وعرضته على المؤتمرين، فصوتوا عليه بالإجماع إلا كابرا، فتم إقراره رغم امتناعه في البداية.
وبعد سنوات طالب الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، بناء على نظامه الداخلي أن تتحد الروابط والاتحادات الوطنية ليكون انتسابها للاتحاد قانونيا، فكان ما يعرف اليوم باتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، وهو في الأصل مجموعة من النوادي من بينها:
نادي نعيمان لأغاني وقصص الأطفال، وكنتُ رئيسَه، ونادي الإبداع النسوي، وكانت ترأسه الزميلة الدكتورة امباركه بنت البراء، ونادٍ للمسرحيين، ونادٍ للأدب الشعبي، وغيرها...
وقد ظل المرحوم محمد كابر هاشم محل إجماع إلى أن استقال منه طواعية لطروِّ ضعف في بصره.
ورغم إلحاحه علي في قبول ترؤسي للاتحاد، وإلحاح الزملاء والأصدقاء والأقارب، فقد امتنعت من ذلك لأمور منها قناعتي أن تسيير الاتحاد على الوجه التوافقي الذي كان يسيره هو به أمر من الصعوبة بمكان.

موقع الفكر: لكم كتابات أدبية مميزة في مجال السرد. هل هناك عمل مكتمل تم نشره لكم، أو سيتم نشره؟

الشاعر محمد عبد الله: صحيح أنني اشتغلت في البداية بكتابة القصة القصيرة، والعمل المسرحي، وغيرهما من أوجه الكتابة السردية، غير أن مجال السرد لم يكن يستهويني، فاقتصرت على الكتابة الشعرية، والنقد، والدراسات الأدبية، فنشرت على  صفحات جريدة الشعب سنة 1992 دراسةً بعنوان «توظيف الموروث في القصيدة الموريتانية الحديثة».
وكنت أكتب فيها زاوية نقدية تحت عنوان "محاكمة أدبية"، أعمد فيها إلى نص شعري معاصر، فأجعله في قفص الاتهام، ثم توجه إليه النيابة مجموعة من الاتهامات، وتقوم هيئة الدفاع بالمرافعة، وبعد ذلك يصدر الحكم على المتهم حضوريا، مرة يكون في صالحه، ومرة يكون ضده، وقد يكون نافذا، وقد يكون مع وقف التنفيذ..

كما كنت أكتب زاوية تحت عنوان "إشارة استفهام"؟

بالإضافة إلى بحوث، ومقالات في مجال أدب الراشدين، ومجالات أدب الأطفال، شاركت بها في مؤتمرات أدبية في سوريا، والإمارات، واتشاد...

والمتصفح للموسوعة الأدبية المتميزة التي أعدها الدكتور أحمد حبيب الله عن النثر الشنقيطي، يجد في ثناياها ذكرا لكتاباتي السردية، ونماذج من بعضها.

موقع الفكر: ما خطوط الالتقاء بين السرد الأدبي والشعر برأيكم؟ وفي المقابل ما مواطن الافتراق؟

الشاعر محمد عبد الله: الشعر والسرد وجهان لأداة أدبية غايتها تحقيق الإمتاع، والإفادة، والناظم بين وجهيها هو الإبداع.
ولعل الشعر أصلح للبداوة والوجدان، والسرد أنسب للتحضر والعقل.
وبميول المبدع إلى أحدهما يتميز المنوال الذي ينبغي له الغَزْلُ به.
ولعل طبيعتي البدوية هي التي جعلتني أسيم مواشيَ غالبا في مرابع الشعر أكثر من السرد.

موقع الفكر: ما تعني لك: تيرس؛ موريتانيا؛ المحيط الأطلسي؛ المحظرة؛ الشعر والأدب؟

الشاعر محمد عبد الله: كلما سمعت كلمة ”تيرس“ ذكرت قول نزار قباني:

"غرناطة! وصحت قرون سبعة...".

وقول شيخُنا بن محنض:
"هي البلاد، وأهلها البشَرُ"

وقول المجيدري:

"يا مَنْ يَرَى ولا يُرَى
عني الكروبَ نفِّسِي
لقد نَفَى عنِّي الكَرى
شَوْقِي لِأهلِ تِيرِسِ..."

وقول أحمد المأمون بن محمذن الصوفي:

"أَهْدَى لأوشالِها من سيلِ أَنجُدها
ومن شُدوفِ القَطَا يحتثّها القَرَبُ". 
وقول امحمد بن الطلبه اليعقوبي:
ربعت في مجادل الكرب ترعى
جلهات بهن حو البطاح

أما كلمة ”موريتانيا“
فتذكرني تباعا:

الاستعمار، سيادة اللغة الفرنسية، المحاكم الوضعية، الانقلابات، الظلم، الغبن، تحكم الفاسدين، انحلال الأخلاق، احتقار المعلمين، التزوير، النفاق...

أما كلمة المحيط الأطلسي فتذكرني بأمرين متضادين:
مصير جزيرة تيدره، واتفاقية نهب الصين للبحر مدة مائة سنة من ناحية،
وتعيين الأخ أحمد سالم بن محمد المامي مديرا للميناء، وترشيح الزميل أحمد ولد الوالد عمدة لـ”امحيجرات“.

أما ”المحظرة“ فتعني لدي الفخر والاعتزاز بالأصالة، والمعرفة، والأخلاق الحميدة، والتضحية، والكرم.
وهي بالنسبة إلي شاشة تعرض شخصيات وطنية مثل ابن بون، وسيد عبد الله ولد الحاج ابراهيم، وسيد عبدالل ولد الفاظل، ومحنض باب ولد اعبيد، وحمذ فال ولد متالي، ولمجيدري،  وأحمد المامون، ومولود، والشيخ محمد المامي، والبخاري ولد الفلالي، ومحمد لمين بن أبي المعالي، ومحمد بن محمد البخاري، ومحمد عبد الله بن انباب، وأحمد محمد بن بداهي، وولد ألما، والمختار بن ابلول، ومع، وانچبنان، ومحمد ولد محمد سالم، وأحمد ولد العاقل، والشيخ سيديا الكبير،
ومحظرة الصفره والكحله، وولد فحفُ، والشيخ محمد الحسن بن أحمد الخديم، ومحظرة أهل عدود؛ وغيرهم...

أما ”الأدب“ عموما، و”الشعر“ خصوصا، فهو غذاء الروح، وحافظة القيم والأخلاق، وقاموس اللغة، ومفسر مقاصد الشرع، وموجه الشعوب، ومقوم السلوك.
وهو أداة صالحة لجلب المصالح، ودفع المفاسد في كل زمان.
ورحم الله العلامة محمد عبد الله بن انبابَ (بلاهي) القائل يرثي الشعر:

"ألا فاندُبا مَيْتاً غريبا وَوَدِّعَا
وسُحّا عليهِ الدمعَ مَثْنْى ومربَعا
لِيَبْكِ قريضَ الشعر عانٍ، مُوَلَّهٌ
بعيدٌ عن الأوطان أصبحَ موجعَا
لَئِن كانَ من بين البريةِ واصباً
ولم يَلْقَ عُوّاداً، وليس مشيَّعَا
لَرُبَّ نوادٍ كان فيها منَعَّماً
مُردَّعةِ الأردان طِيباً وَأَيْدَعا
تَريعُ إليه البيضُ مهما سمِعْنَه
وينشُدنَه مهما تبوَّأْنَ مضجَعا
وتعزِفُ قيناتٌ بهِ ومزامرٌ
وتسقى نوادِيهِ رحيقا مشعشَعا
وكم ذبَّ عن عِرضٍ وكم مَلكَتْ به
ملوكٌ، وكم عِرضاً من الناس ضيَّعَا
وكم ساقَ من نفعٍ وضُرّ وإنما
يراد الفتى كيما يَضُرَّ وينفَعا.

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟
موقع الفكر: أرجو منكم الترحم على جميع موتى المسلمين، وخاصة المرحوم محمد عبد الله ولد الحسن القائل:
سابگْ نكْرفْ بعْد السَانِ
”تَوْجَعْ واتْشفْ مُورِتانِ“.

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.