على هامش قضية وادان ... دعوة لمراجعة الخطاب الحقوقي

محمد فال الشيخ

هيمنت حادثة اتهام أسرة في وادان بممارسة بعض مظاهر الاسترقاق على الأحداث ومواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية وبعد بيانات الأسرة وما قدمته من وثائق وتحقيق لجنة حقوق الإنسان وعدم تقديم منظمة نجدة العبيد أي دليل بخصوص دعواها اتضح بما لا يدع مجالا للشك ضرورة مراجعة الخطاب الحقوقي لينزع نحو الاعتدال والمساهمة الفعلية في محاربة مخلفات الاسرقاق بدل تحوله إلى وسيلة للابتزاز والترويع والتحريض وتقويض الوحدة الوطنية.
المهم بالنسبة لنجدة العبيد ونظيراتها أن العبودية موجودة في موريتانيا وفي أبشع صورها، المهم أن يقال ..أن خادما قدمت كمهر في حفل استقراطي وأن الرأي العام الوطني الدولي وجد في محركات البحث قصة أسطورية كهذه ولا يهم بعد ذلك هل الأمر صحيح أم لا؟.
 بيانات الأسرة التي شهر بها واضطرت إلى نشر وثائقها المدنية وتحدثت للاعلام صوتا وصورة تلك تفاصيل لا تهم نجدة العبيد ونظيراتها في شيء، كتيبة الدعم والإسناد جاهزة فلا قيمة للبراهين في هذه المسألة أبدا بل هي ثابتة بدليل "أن الجميع دائما ينكر حالات العبودية ويكذبها" وأن العائلة المذكورة "أبناء ذوات " والأمر معروف تاريخيا" وهذا أكبر دليل على أن الاسرة المذكورة وبياناتها وشهودها لا قيمة لهم وأن لجنة حقوق الإنسان وتحقيقاتها لا مصداقية لها إذ لا حاجة للتحقيق أصلا ما دامت نجدة العبيد قد قالت .
منظمات حقوق الانسان عندنا غير معنية بحقوق الانسان بالمعنى الدقيق للكلمة وإلا لما اتهمت مواطنا دون بينة ولما اتجهت الى المجتمع تضرب وحدته يمينا وشمالا بدل التوجه إلى الدولة والضغط عليها لمحاربة مخلفات العبودية لأن هذه الجمعيات حريصة على بقاء العبودية ولو انتهت لاخترعتها لأنها مبرر وجودها وسبب بقائها.
الأمين العام لنجدة العبيد قدم توضيحا يحمل نصف تراجع فالأمر لا يتعلق "بخادم بالمعنى الفيزيائي بل بصيغة وردت في العقد" وأعطى بذلك حياة جديدة للرواية الكاذبة التي تبخرت في الهواء بعد أن اتضح انها محض كذب، ولمعرفة صدق معدن هذا الشعب تابعوا رد الفعل لأولي تجاه الحادثة حيث أجمع رواد التواصل الاجتماعي وأصحاب الرأي على شجب الجريمة واستنكارها ولو كانت تملك مثال ذرة من مصداقية لما تخلف احد ممن يعتد به عن استنكارها وطلب معاقبة مرتكبها كائنا من كان.
لكنه الكذب والاتجار بالقضايا العادلة وقد تابعنا نماذج من ذلك طوال الفترة الماضية ومن غير المعقول أن يقبل الناس إلغاء عقولهم وتصديق بيان تكذبه شهادات الشهود والوثائق الرسمية والعرفية، بل تراجعت المنظمة عنه نسبيا حين ادعت أن الامر يتعلق بصيغة فقط .
الامر أبسط من كل هذا  "أثبت الحجر ثم انقش" أعطونا دليلا أي دليل على أن الحادثة وقعت (شهود، لقطات فيديو اي دليل؟ خاصة أغلب المناسبات يتم توثيق عقودها بالصوت والصورة،) وفي حال العجز عن ذلك قدمواا اعتذارا للأسرة التي تم التشهير بها هذا هو المطلوب من نجدة العبيد أما المكابرة ومحاولة تضخيم الموضوع وتنظيم احتجاجات ضد قصة كاذبة فهروب للأمام لن يغسل عار الكذبة البقاء التي حملت لواءها منظمة نجدة العبيد ومن أيد بيانها حمية وتعصبا.
إن الخطاب الحقوقي بحاجة لمراجعة حتى يتميز النضال الصادق من الكاذب حتى يتميز الحقوقي الحق ممن يستغل القضية للمزايدات وتسجيل النقاط نحتاج الى خطاب حقوقي يسعى لتغيير الواقع ومحاربة العبودية ومخلفاتها وكافة الانتماءات الضيقة والتوعية للأخوة الاسلامية على أسس الاسلام وشريعته الغراء وعلى قيم التسامح والاخوة والعلاقات الضاربة في التاريخ .
إذا كانت المنظمات الحقوقية تريد محاربة العبودية حقا فعليها العمل على الكشف عن حالات موثقة وتقديمها للعدالة والعمل على محاربة مخلفات العبودية بالتوعية الاجتماعية والابتعاد عن الشحناء ونزع الفرقة بين أبناء المجتمع الواحد.
 إن التدوينات الطافحة بالعنصرية التي تصدر عن قيادات في بعض المنظمات الحقوقية تشي بأن ملف الوحدة الوطنية أصبح وسيلة للابتزاز والاستغلال وطريقة للحصول على الحظوة والوظائف، ويتبارى بعض هؤلاء في التدوينات العنصرية خشية أن يتفوق عليه غيره في الاساءة والتجريح مستغلا حساسية الملف، وانسحابية المخلصين وأصحاب الرأي الحصيف من هذا الميدان، والخاسر الأكبر في كل ذلك هو المجتمع الموريتاني التي يتعرض لمحاولات التمزيق عبر الخطابات العنصرية والشرائحية ليس بهدف معالجة الاختلالات بل لهدم البنيان على من فيه.
 نحن بحاجة الى خطاب حقوقي ينصف المظلوم ويحقق العدالة والانصاف ولسنا بحاجة الى خطاب يزرع الفرقة والشقاق، إن الخطاب الحقوقي الشائع حاليا يضر ولا ينفع يهدم ولا يبني يستدعى الماضي بهدف التحريض وخلق المظلومية وليس من اجل التغيير والإصلاح والتطلع للمستقبل.
إن الشعب الموريتاني شعب واحد لديه من مقومات الأخوة والتعايش المشترك ما لا يتوفر لغيره من المجتعات لكنه غير محصن بالكامل إذ ان الاختلالات التي يعاني منها توفر فرصة ثمينة للمغرضين والانتهازيين، وقد شرع هؤلاء في الاستغلال دون هوادة .
لا أحد ينكر مخلفات العبودية وبقاياها ولا الظلم والحيف الواقع  ولا أن الأمر يحتاج إجراءات تأسيسية جدية وسريعة لكن الأمر ليس بالتضخيم الذي يروج له بعض السياسيين الساعين الى استغلال القضية الاجتماعية العادلة كما يستغل الحكام العرب القضية الفلسطينية.
آن لنا أن نأخذ على يد الساعين لخرق سفينة الوطن ونقول لهم كفى تحريضا كفى عنفا لفظيا تعالوا الى كلمة سواء واتقوا الله في هذا الشعب المسكين تحرضون بعضه على بعض وتهدمون مكامن قوته وأسباب وحدته.
"إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون".
تعالوا ساهموا في معالجة ملف الوحدة الوطنية بما يستحق من أهمية وألوية ساهموا بما ينفع الناس ويمكث في الأرض بالعمل الجاد البناء وليس عبر التحريض.
 يكفى شعبنا ما هو فيه من فقر وتخلف وآخر ما يحتاج اليه إثارة اضطرابات اجتماعية وتسميم علاقاته البينية من طرف جهات وشخصيات لا تستشعر خطورة النزاعات الأهلية وتستغل القضية الاجتماعية لتسجيل نقاط سياسية لابتزاز هذا النظام أو ذاك، أو للحصول على هذا الموقع أو ذاك.
اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك واحفظ شعبنا من كل سوء وجنبه البغضاء والشحناء.