أسواق الخضار قبل رمضان: تذبذب في التموين واضطراب في الأسعار ورهان على الغش- موقع الفكر  

أياما معدودات قبل حلول الشهر الفضيل حيث يرتفع الطلب على المواد الغذائية المُكونة للمائدة الرمضانية كالخضروات والحبوب، وسط تصاعد الجدل بين جهات حكومية تدعي السيطرة وتأمين احتجاجات السكان من المواد التموينية خلال شهر رمضان، وجهات أخرى تتحدث عن مضاربات وغلاء و تذبذب في العرض والتموين، وغياب للرقابة على الجودة مما أجج نار الغلاء وأطلق الأسعار من عقالها، وفاقم من مظاهر الغش والتزوير.

كما يحل الشهر الفضيل على وقع أزمة تموين خانقة في غاز البوتان زادت من أسعار مختلف أوزانه بنسب متفاونة ترواحت ما بين 5-إلى 20 % من سعره المدعوم من طرف السلطات، وفي المقابل يتطلع المستهلكون إلى الاستفادة من الفرص التي أطلقها افتتاح معبر حدودي مع الجزائر قبل أيام قليلة خاصة على مستوى توفير التمور عصب الاستهلاك في رمضان، ويأملون في أن تؤتي تدابير حماية المنتج المحلي من الخضروات أكلها في توفير هذه المنتجات بجودة وأسعار في متناول الجميع.

موقع "الفكر" استطلع واقع أسعار الخضروات وآفاق التموين بهذه المواد الحيوية خلال الشهر الفضيل في التقرير التالي: 

كيف الوصول إلى الخضار ؟؟

رغم وقوع سوق المغرب بقلب نواكشوط وهناك أكثر من طريق تؤدي إليه إلا أن الوصول إليه لا يقل صعوبة عن الوصول إلى سعاد التي تساءل الشاعر القديم عن الوصول لها قائلا:
كيف الوصول إلى سعاد ودونها @ قنن الجبال ودونهن حتوف

فهل يمكننا أن نقول:
كيف الوصول إلى الخضار ودونها @ طرق مغلقة ونتن عارم؟

إن كل الطرق المحيطة بالسوق تكاد تكون معالمها قد اختفت بشكل نهائي وغطتها أكوام النفايات النتنة من بقايا الخضروات والأسماك المتعفنة، فيما تفترش الطرقات والممرات الضيقة عربات البيع وطاولات العرض والمئات من بائعات السمك والخضار المعروفات ب "انْجَيَاتْ"، وعلى جنبات السوق تتمشى الهُوَّيْنَا قطعان أبقار داجنة ألفت المكان وأصبحت جزء من الصورة المتداولة عن ترييف المدينة والعيش فيها بعقلية البدو ومسلكيات عابري السبيل، إن الطريق إلى السوق ليس سوى صورة لما ينتظر المرء من مشاهد مقززة داخل عنابر العرض ومنافذ البيع وأخبية السوق التي هي أشبه ما تكون بمعسكرات للعناكيب، ومستودعات لتفريخ الذباب وكل الحشرات والقوارض، ورغم وهن بيوت العنكبوت فإنها لم تجد من يزيحها عن رفوف تعرض عليها مواد من المفترض أنها ستذهب للاستعمال البشري، ومع كل ما سلف فإن أصحاب الحوانيت والعنابر يشكون من ارتفاع فاحش للإيجار، حيث أن هناك من يؤجر في العنبر الذي هو مجرد ظل ب 200 ألف أوقية قديمة للشهر، وفي نفس الوقت يقولون بأنهم محاصرون في محلاتهم وسوقهم من البائعات الذين يتهمون بعض السلطات بأخذ مبالغ جزافية منهم مقابل تركهم على الطرقات وفي الممرات وأمام الحوانيت والعنابر وفي الأزقة.

خضار محلي وآخر مستورد

تعرض في السوق أصناف من الخضار، منها المحلي ومنها المستورد، ويباع المحلي بأسعار معقولة، لكن تجار السوق يشتكون من سرعة فساده، فمثلا يباع كيس الطماطم المحلي سعة 15 كيلو، ب 1500 أوقية قديمة وأحيانا 1400، لكنه يفسد بسرعة إذ يتحلَّلُ ويصبح ماء، وكذلك البصل و الجزر، والخضار  المعروفة محليا ب "سبمه" وتلك المعروفة ب "نافه" بعكس مثيلاتها المستوردة من المغرب مثلا، فهل يعود الأمر إلى ما ذكره وزير الزراعة، في تصريح سابق من أن السبب في تلف الطماطم السريع  هو عدم التهجين وأنهم قاموا بتهجينها وهل أعطى ذلك التهجين فائدة مادام الوضع على ما هو عليه؟!
أحد التجار المغاربة في السوق الذين تحدثوا  للفكر، اشتكى من ارتفاع الجمركة على الخضروات المستوردة ومن إنزال الجمارك للخضروات على الأرض مما يعرض بعضها للتلف، مؤكدا أن ذلك يرفع من أسعار ما يتبقى منها صالحا.
من جانبه قال تاجر موريتاني في السوق للفكر، بإن التاجر الوطني ميال بطبعه للمنتج المحلي، ولا يرغب في الاستيراد من الخارج الذي يعنى له تكاليف إضافية للنقل والجمركة ويتطلب وقتا أطول، ولكنهم مضطرون للاستيراد لأن المنتوج المحلي يفسد عليهم بمجرد شرائه.
وقد حدثنا بعض مرتادي السوق أنه حتى المنتوج المحلي يتم التلاعب بأسعاره، فمثلا هناك من التجار من يشتري الطماطم المحلية مثلا ب 40 أوقية قديمة للكيلو من المنتجين ويبيعونها ب 400 أوقية و 300أوقية، في بعض أسواق العاصمة.ويبقى المشكل المؤرق لكل تجار وباعة الخضروات المحلية هو عدم قدرتها على الصمود أو الادخار لفترات طويلة على غرار نظيراتها المستوردة من دول الجوار يعلق أحد الباعة.

وعلى مستوى السلع الرمضانية فإن "ربطة " البصل والبطاطس وصل سعرها في هذه الأيام 14000 ألف أوقية قديمة، للنوعيات المستورة من هولندا وهو سعر مرتفع.

تساؤلات مشروعة

أمام مسلمة عدم قابلية الخضروات المحلية للادخار التي تواتر عليها تجار السوق ورواده، يحق لنا أن نتساءل هل للأمر علاقة بعدم استخدام مزارعينا لبذور محسنة وتركهم الاستعانة بتقنيات زراعية أصبحت لا غنى عنها اليوم كالري بالتقطير مثلا وغيره أو عدم توفرهم عليها، أم أن الخضروات القادمة من وراء الحدود ربما تكون تحمل موادا حافظة تجعلها أقدر على الصمود أكثر، وما ذا عن الضرر الصحي لتلك المواد، وأين الوكالة الوطنية لسلامة الأغذية والدواء وهي هيئة تم إنشاؤها مؤخرا من كل ما يجري في أسواق المواد الاستهلاكية والخضروات من مخلفات سجلتها مصالح حماية المستهلك، وأكدتها السلطات الجمركية من خلال تعداد حوادث حرق مواد غذائية تالفة كان آخرها إتلاف أطنان من التمور المستوردة إلى المنطقة الحرة على الحدود الشمالية للبلاد!!!

كما يتساءل المستهلك عن جهود السلطات للجم الأسعار في رمضان هذا العام، وهل ستكون أفضل من الأعوام السابقة عندما لا يكاد يرى أي أثر لهذه الجهود، ولا يلمس أي استجابة لمطالبه المتكررة في رقابة السوق وفي التحكم في طاحونة الأسعار قبل أن تأتي على الأخضر واليابس يعلق أحد المتسوقين.